العراق والوقاية من تداعيات الأزمة السورية // د. علي المؤمن
العراق والوقاية من تداعيات الأزمة السورية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي المؤمن
بعد احتلال الجماعات الطائفية والتكفيرية الأممية
العابرة للحدود، أجزاء واسعة من سوريا خلال العامين 2011 و2012،
استشعر جزء من الحكومة العراقية الخطر الداهم على الأمن القومي
العراقي مما يحدث في سوريا، ولذلك غض النظر عن مشاركة بعض الفصائل
العراقية في جهود الوقاية، إلّا أن أصواتاً في المقابل، كانت ترتفع
بقوة لمنع الحكومة العراقية من أي تدخل في سوريا، بذريعة النأي بالنفس
عن المشاكل الداخلية في دول الجوار، والتي لا ناقة فيها للعراق ولا
جمل، وكذلك لكي لا يظهر العراق بمظهر المدافع عن نظام بشار الأسد،
وللحيلولة دون استفزاز المليشيات المسلحة في سوريا، ودفعها للانتقام
مستقبلاً من العراق فيما لو سيطرت على السلطة في دمشق.
وغاب عن هؤلاء، وتحديداً الغافلين، وليس المغرضين
الطائفيين، بأنّ خرق الأمن القومي في سوريا، وهيمنة الجماعات الطائفية
والتكفيرية العابرة للحدود، لا يرتبط بالنظام السوري وحسب؛ إنما يرتبط
ارتباطاً مباشراً بالأمن القومي العراقي، خاصة وأن تدخل أنظمة تركيا
والسعودية وقطر والإمارات والأردن ومصر، بكل ثقلها، في تمويل
المليشيات التكفيرية والطائفية في سوريا وتجهيزها وتمويلها ودعمها
بالمستشارين العسكريين والمخابراتيين، كان كله يستند إلى دوافع طائفية
معلنة، بكل وقاحة ووضوح، وهي دوافع تمس الواقع العراقي بشكل
مباشر.
فضلاً عن أن هذه الجماعات الطائفية والتكفيرية ليست
جماعات سورية محلية، وليست لديها أهدافاً سياسية داخلية؛ إنما هي، كما
تعلن بصراحة، جماعات مسلحة أممية عابرة للحدود، وتضم عناصر إرهابية من
كل الكرة الأرضية، وتعلن جهاراً نهاراً بأنها لا تعترف بالحدود، وأن
مساراتها لا تتوقف عند دمشق، بل إنها ستسيطر على دمشق وعينها على
لبنان والعراق، وهو الهدف الذي ظلت تسعى إليه، وحققت جزءاً مهماً منه،
ولو لا تدخل إيران وحز ب الله والمقاومة العراقية عسكرياً، ثم روسيا،
لما توقف عدوان هذه الجماعات عند حدود إدلب والرقة ودير الزور.
ولو كان الجيش العراقي قد عمل حينها بحكمة الإمام علي
الاستراتيجية الاستشرافية: ((العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس))،
واتخذ طريق الوقاية، وشارك بكل قوة في دحر الجماعات الطائفية
والتكفيرية داخل سوريا؛ لما زحفت باتجاه العراق، والتحمت بمنصات
الفتنة وما سمي ب(ثوار العشائر) واحتلت المحافظات الغربية، ووصلت إلى
مشارف بغداد، ولما احتاج العراق إلى أربع سنوات صعاب لعلاج الأزمة
الأمنية العميقة التي ضربته.
وقد أثبتت الوقائع حينها، وفق المعايير الاستراتيجيّة،
أن مسك الحدود العراقية السورية لا ينفع لوحده في صد الزحف الإرهابي،
خاصة وأنه يحظى بضوء أخضر أمريكي ودعم تركي وخاصرة رخوة في إقليم
كردستان ومنصات حاضنة جاهزة في المنطقة الغربية.
واليوم يتكرر المشهد نفسه؛ إذ لا يزال هناك من غير
الطائفيين والمغرضين، من لم يع الدرس القاسي، ويتغافل عن الأخطار
القديمة - الجديدة نفسها، ويرفع شعار النأي بالنفس أيضاً، ويطالب
بالاكتفاء بمسك الحدود، ورفض تدخل العراق في دحر المليشيات المسلحة في
سوريا، رغم أنها تقف على أبواب العراق، وخاصة في مناطق الحسكة ودير
الزور، وصولاً إلى القامشلي شمالاً والرقة غرباً، فضلاً عن المليشيات
في إدلب وحلب وحماه، والتي تطمح إلى عبورها باتجاه حمص ثم دمشق، وكأنّ
سقوط دمشق بيد المليشيات الطائفية والتكفيرية سيكون شأناً داخلياً
سوريّاً لا أكثر، ولا صلة له بالأمن القومي العراقي واللبناني!!.
أما الطائفيين الذين يرفضون بشدة تدخل العراق لحماية نفسه
والوقاية من أخطار التحول في سوريا؛ فإنهم يعون تماماً ما يحدث،
وينتظرون عودة المنصات ليلتحم (ثوار العشائر) بالقاعدة وداعش مرة
أخرى، لعلهم يصلون هذه المرة إلى بغداد، ويحققون حلم ((قادمون يا
بغداد لنطهرك من رجس الصفويين)).