حكم المرجعية بين الدين والسياسة وتأثيرها في مشهد السلطة  

عبدالله عباس 

قال تعالى في سورة النحل (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) و يقول الإمام الحسن العسكري (ع) " فأمّا من كان من الفقهاء صائنًا لنفسه، حافظًا لدينه، مخالفًا على هواه، مطيعًا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلِّدوه" و كذلك يقول الامام الغائب (عج) (أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم) المقصود من الحديث الاخير هم الفقهاء الذين سخروا حياتهم في تفسير القرآن الكريم و متابعة كتب اهل البيت (ع) واستخراج الأحكام الشرعية .

لابد من فهم معنى المرجعية الدينية و هي رجوع المسلمين  وتحديداً الشيعة إلى من بلغ  مرحلة الاجتهاد في استنباط الحكم الشرعي و الافتاء  وأصدر آرائه في الأحكام الفقهية في الرسالة العملية يرجع الشيعة إلى المراجع أو مراجع التقليد لمعرفة الأحكام الفقهية ، وقد يمتد نفوذ المراجع إلى التدخل في مسائل سياسية واجتماعية كما وقع ذلك مراراً في تاريخ المرجعية الشيعية ويعتبر المرجع  هو طالب في العلوم الدينية درس في مدارس الحوزات العلمية وقضى سنوات في الدراسات العليا حتى حاز على رتبة الاجتهاد وأصبح مؤهلاً للإفتاء . 

من ابرز مرجعيات وعلماء الشيعة على مر التاريخ (ابوالحسن الاصفهاني و حسين البروجردي و الشيخ البهائي و المحقق الاردبيلي و الشيخ المفيد و السيد محمد كاظم اليزدي و الشيخ الطوسي و السيد محسن الحكيم و السيد محمد باقر الصدر و السيد ابو القاسم الخوئي و السيد عبد الاعلى السبزواري و السيد روح الله الخميني و الشيخ محمد تقي الشيرازي و السيد كاظم الحائري ) والكثير من العلماء بالاضافة الى مراجع عصرنا الحالي و الابرز هم السادة المرجع السيستاني (دام ظله) و الوليّ الخامنئي(دام ظله)  .

هنالك شروط يجب ان تنطبق على مرجع التقليد قد ذكر السيد اليزدي في كتابه العروة الوثقى اهمها "البلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة، والرجوليّة، والحريّة على قول، وكونه مجتهدًا مطلقًا، فلا يجوز تقليد المتجزئ، والحياة، فلا يجوز تقليد الميت ابتداءً، نعم يجوز البقاء وأن يكون أعلم، فلا يجوز على الأحوط تقليد المفضول مع التمكّن من الأفضل، وأن لا يكون متولِّدًا من زنا، وأن لا يكون مقبلاً على الدنيا، وطالبًا لها، مكبًّا عليها، مجدًّا في تحصيلها . 

لعبت المرجعية الدينية الكثير من الادوار على مر التاريخ في المنطقة ففي عام 1914 افتى الشيخ محمد تقي الشيرازي ضد القوات الروسية شمال ايران  ، وكذلك في عام 1918 أعلن الجهاد في الحرب العالمية الاولى ضد اعتداءات دول الحلفاء على الأراضي العثمانية ، واعلن الجهاد ضد الاحتلال البريطاني في العراق 1920 واعطى الشرعية لقيام الثورة بوجه الانكليز وأخذ الناس على عاتقهم الشرعي القيام بمحاربة القوات المستعمرة ومساندة الثورة ، وتحولت إلى شرارة كبيرة عمت أرجاء العراق ' حيث توفي الشيخ الشيرازي في كربلاء المقدسة وكذلك في عصرنا الحديث حيث افتى السيد كاظم الحائري عام 2003 بعد سقوط نظام صدام المجرم فتواه الشهيرة (إهدار دم وجوه البعثيين في العراق) وكذلك افتى بالجهاد ضد الاحتلال الاميركي للعراق واخر فتوى له عام 2019 حيث افتى حرمة ابقاء اي قوة عسكرية امريكية مؤكدا على المقاومة حيث اعتزل السيد الحائري العمل الديني عام 2022 و إسقاط الوكالات والأذونات التي تصدر منه ومن مكتبه معللاً ذلك بالمرض وكبر سنّه واوصى اتباعه باتباع المرشد الاعلى السيد علي خامنئي .

لصمت المرجع وهدوءه تأثير كبير في مشهد السلطة وهذه جزءً من صفات السيد السيستاني (امد الله في عمره) حيث كان لسماحة السيد دور كبير بعد عام 2003 وكان بابه مفتوح لقضاء امور المؤمنين و لردء الكثير من الفتن حيث طالب المؤمنين التحلي بالصبر وضبط النفس ويتجنبوا القيام بايّ عمل انتقامي يستهدف الابرياء والاماكن المقدسة جاء ذلك بعد تفجير العتبة العسكرية المقدسة عام 2006 و في عام 2007 بذكرى التفجير الاجرامي تدعو المرجعية المؤمنين أن يراعوا أقصى درجات الانضباط و لا يبدر منهم قول او فعل يسيء الى المواطنين من اخواننا أهل السنة الذين هم براء من تلك الجريمة النكراء والكثير من المواقف المشرفة للمرجع الاعلى واخرها انقذ العراق من الانهيار عام 2014 حيث افتى بالتصدي ومحاربة تنظيم داعش الارهابي بالجهاد الكفائي و كان للسيد المرجع رد على رسالة حزب الدعوة الاسلامية (أود أن أبلغكم بأنه بالنظر الى الظروف الحرجة التي يمر بها العراق العزيز وضرورة التعاطي مع أزماته المستعصية برؤية مختلفة فإنني أرى ضرورة الإسراع باختيار رئيس وزراء جديد) بعد هذه الرسالة خرج رئيس الوزراء الاسبق (نوري المالكي)  و اعلن عن تنحيه عن المنصب و سحب دعوته القضائية والتي كانت نتيجتها محسومة لصالحه ليكون رئيساً للوزراء لدورة ثالثة و بهكذا ضروف تاريخية تكون المرجعية مصدر رئيسي للتوجيه الديني والسياسي .

اما ولاية الفقيه فهي مصطلح إسلامي وتعني "حكم الفقيه"، وهو نظام حكم يعتمد على فقهاء دينيين يتولون السلطة السياسية والقضائية والدينية يعتبر هذا المصطلح جزءًا من الفكر الإسلامي الشيعي ويتميز به النظام الإيراني برئاسة المرشد الأعلى و انها تنطلق من منطلق حكم الوليّ الأدلّة الشرعيّة و اعتبار المصالح والمفاسد الاجتماعية بحسب الزمان والمكان و يمكن أن يطلق على المتعين لولاية الفقيه الأفضل بحسب المجموع أو النتيجة حيث قال مفجر الثورة الاسلامية السيد روح الله الخميني (قدس) بالنسبة للقيادة فنحن لا نستطيع أن نترك نظامنا الإسلاميّ بدون قائد فيجب أن ننتخب شخصًا يدافع عن حيثيتنا الإسلاميّة في عالم السياسة والمكر .

فمن كانت عنده قضيّة ولاية الفقيه بديهيّة، فإنّه لا يحتاج أن يراجع مرجع التقليد ليسأله هل اتّبع الوليّ أو لا، بل يكون حكمه هو التولّي للفقيه مباشرة وان البديهية فيما يتعلق بولاية الفقيه تختلف من شخص لآخر وتعتمد على الخلفية الدينية والسياسية والاجتماعية لكل فرد مكلف بعض الأشخاص يرون في ولاية الفقيه نظامًا يضمن الاستقرار والعدالة الاجتماعية، بينما يرون آخرون فيها تحديًا للحريات الفردية والديمقراطية . 

حيثُ رد سماحة السيد السيستاني (دام ظله) على استفتاء يخص تعريف ولاية الفقيه (الولاية فيما يعبّر عنها في كلمات الفقهاء (رض) بالامور الحسبية تثبت لكل فقيه جامع لشروط التقليد ، واما الولاية فيما هو اوسع منها من الامور العامة التي يتوقّف عليها نظام المجتمع الاسلامي فلمن تثبت له من الفقهاء ولظروف إعمالها شروط اضافية ومنها ان يكون للفقيه مقبولية عامة لدى المؤمنين)  .

ويتمتع ولي الفقيه باعلى الصلاحيات واهمها وهو المسؤل السياسي الأول عن اتخاذ جميع القرارات السياسية، و تعيين الأشخاص في المواقع السياسية التي يحتاجها المجتمع ونظام الدولة، فبمقدوره الإستغناء عن رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة وعن مجلس النواب ومجلس تشريعي، وبمقدوره تعيين كل ذلك، كما أن له أن يتنازل عن بعض هذه الصلاحيات فيقبل بانتخاب رئيس الجمهورية ونواب يكون مجلسهم هو المجلس التشريعي، ويمكنه أن يشرط ذلك بموافقته وقد لا يشترط و هو صاحب القرار العسكري والقائد العام للقوات المسلحة بالتالي هو صاحب قرار الحرب او السلم هو المسؤول عن القضاء وتعييناته و تقنين العقوبات وهو ولي من لا ولي له، والولي على الأيتام والقصر والمجانين وأموال الغائبين وغير ذلك من الصلاحيات .

وان اخر امر عسكري اتخذه ولي الفقيه السيد علي الخامنئي في ليلة 14/4/2024 سمي الوعد الصادق حيث امر حرس الثورة الاسلامية باستهداف الاراضي المحتلة في فلسطين وتحديداً قواعد الصهاينة العسكرية من خلال طائرات مسيرة وصواريخ بالستي و صواريخ كروز ، ويعتبر هذا العمل العسكري الذي تم تنفيذه استناداً إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالدفاع المشروع، جاء ذلك رداً على عدوان النظام الصهيوني على مبنى دبلوماسي في سورية و هكذا يعتبر حكم المرجعية مصدر رئيسي للتوجيه الديني والسياسي وتأثيرها واضح جداً في مشهد السلطة .