سقوط الصنم وتحولات الأفعى البعثية || أنور فرج الله
سقوط الصنم
وتحولات الأفعى البعثية ..
▪️ أنور فرج الله
رغم زوال النظام الصدامي الكافر عام 2003، ما زال حزب البعث المجرم
ينفث سُمّه في الجسد العراقي، بأشكال متعددة، وما زالت التجربة
السياسية تثبت أن سقوط الصنم البعثي الاكبر لم يكن نهاية هذا الحزب،
بل بداية لتحولاته الخبيثة، وتلوناته السياسية الماكرة.
والكل يعلم أن حزب البعث لم يكن مجرد حزب سياسي، بل كان منظومة
متكاملة من العنف الدموي والاستبداد الطائفي والمناطقي .. فهو الحزب
الذي انقلب بوحشية مفرطة على حكومة عبد الكريم قاسم عام 1963، ثم لم
يلبث أن تآمر مجددًا عام 1968 ليُطيح بزملائه ورفاق دربه، ويُثبت
أركان حكمه بالحديد والنار .. ومنذ ذلك الحين، عمل على تعزيز وجوده
واستمراريته بارتكاب أبشع الجرائم بحق الشعب العراقي، من تهجير وقتل
ممنهج، وتغييب قسري، وإبادة جماعية .. فمن حفلات الموت في أقبية الأمن
التي طالت كل من رفض سلطته الغاشمة، إلى حملات التهجير، ثم مجازر
حلبجة والأنفال، والمقابر الجماعية في مدن الجنوب والوسط عقب
الانتفاضة الشعبانية، وصولاً إلى حملات الاعتقالات الواسعة واغتيال
المعارضين في الداخل والخارج.
لقد شكّل البعث نموذجاً سلطوياً دموياً لا نظير له في كل التاريخ، ولا
يزال مئات الآلاف من ضحاياه يكتوون بنيران فقد أحبتهم وفلذات أكبادهم
الذين لا يعرفون لهم قبراً ولا أثراً إلى الآن .. ويجب أن تبقى
ذاكرتنا المجتمعية حية تستحضر جرائمه ولا تنسى أيامه.
ولا ننسى أنّ رب البعث الهالك مثّل أقذر مدرسة في الحكم والغدر
السياسي، حتى أنه تخلص من رفاقه وأبناء حزبه أنفسهم في ما سُمّي
بمجزرة قاعة الخلد، خوفاً من منافستهم له، ليؤسس لنفسه واقاربه
وعشيرته والمطبلين بحمده من هذا الحزب نظاماً قائماً على عبادته
والتسليم المطلق له .. وهذا الأسلوب هو لب عقيدته، لكنه يتخفى الآن
خلف أقنعة ووجوه وأساليب جديدة، ويتحين الفرص للعودة إلى السلطة،
مستغلاً فسحة الديمقراطية التي طالما سحقها حينما كان في الحكم.
واليوم .. يجب أن يتم تشخيص وجوه البعث الجديدة، وفضح البعثيين،
وتعرية أساليبهم للرجوع إلى السلطة .. فهم يبدعون في التسلل كالأفاعي
الرقطاء إلى الأحزاب والكتل السياسية والتحالفات الانتخابية المتعددة،
تحت مسميات وطنية ومناطقية وعشائرية، مستغلين ضعف الذاكرة المجتمعية،
وتشتت وتصارع القوى السياسية من ضحاياهم، والانشغال عنهم بتقاسم
السلطة، فيما يمارسون خداعهم وتضليلهم مجدداً، بلغة تتزيا بالشعارات
الوطنية الخادعة لإيقاع الشعب في حبائلهم من جديد.
وبالفعل تمكن الكثير منهم من الوصول إلى مفاصل مهمة وحساسة ومؤثرة في
العملية السياسية، في شقيها التشريعي والتنفيذي، وحتى القضائي
والإعلامي أيضاً، وتسلطوا على الكثير من مفاصل الدولة القيادية لصالح
مشروع إعادتهم للسلطة مجدداً، مستغلين الغفلة والتهاون والغطاء
السياسي الذي توفره لهم بعض الكتل السياسية، في ظل حالة مريبة من
التمهيد والتساهل مع هذه الاختراقات، مع كل أسف .. وهذه خطيئة تاريخية
وخطر وجودي كارثي .. ويحب علينا معالجته قبل أن يُطبق علينا جميعاً ..
فالبعث الكافر مشروع للتسلط الدموي، وإلغاء الآخر وامتهان كرامة
الإنسان، والتساهل مع البعثيين اليوم هو خيانة لدماء الشهداء، وإهانة
لملايين العراقيين من ضحاياه الذين عانوا من ديكتاتوريته أيام حكمه
الساقطة.
يجب أن نتيقن أنّ عراق ما بعد ٢٠٠٣ ليس بحاجة لمصالحة مع جلاديه أو
إعادة تدويرهم، وأن قوانين العدالة الانتقالية يجب أن تُفعل بحقهم، في
تجريم هؤلاء القتلة ومنع عودتهم إلى الحكم بأي شكل من الأشكال، ويجب
على كل قطاعات الشعب العراقي أن ترفض تحويل العملية السياسية وصناديق
الاقتراع إلى بوابة خلفية لعودة البعثيين .. فالديمقراطية لا تحتمل من
ينقضها، ولا تتسامح مع أعدائها، ومن يريد عودة البعثيين، ويسعى لذلك
تحت عدة عناوين وشعارات، إنما هو بعثي شريك بدمنا، ويريد إعادة السجون
وأحواض التيزاب والمقابر الجماعية وأيام القمع، وإنجاز نسخة جديدة من
الموت البعثي الممنهج، وهو غير معني أبداً بالديمقراطية ولا صناديق
الانتخابات .. ومن يسكت على إعادة تدوير البعثيين من جديد، شريك في كل
جريمة وقعت على يد البعث الكافر .. ومن واجب القوى الوطنية، والإعلام
الحر، وكل أبناء الشعب العراقي، خصوصاً الذين تجرعوا مرارة الظلم، أن
يقفوا صفاً واحدًا لفضح هذه الاختراقات، ومنع تجميل القبح البعثي،
وردع تسللهم إلى العملية السياسية.
وختاماً ..
إن هذا الحزب لم يصل إلى السلطة يوماً عبر الانتخابات ورأي الشعب
والوسائل الديمقراطية، بل عبر سلسلة من المؤامرات والانقلابات
العسكرية الحمراء التي شكلت جوهر تاريخه الأسود، وأن البعثيين يبدعون
في تبديل جلودهم، ومن قرأ تاريخهم لن ينخدع بوجوههم وشعاراتهم
الجديدة، والعراق الذي خرج من تحت ركام الدكتاتورية لا يمكن أن يُسلّم
رقبته ولا قراره من جديد لمن ذبحه وأحرقه وأذلّ أهله، ولا يجب أن نسمح
أبداً بعودة البعث، لا باسم الديمقراطية، ولا تحت أي قناع آخر ..
فهؤلاء لا وطن لهم سوى كراسي الحكم، ولا دين لهم سوى السلطة والدم.