حرب الظلام حين يصمت العقل يهزم السلاح || عبدالله عباس / 2025/5/24
حرب الظلام حين يصمت العقل يهزم السلاح
في زمن الحروب غير المتكافئة لا تنتصر الجيوش بالعدة والعتاد بل
بالعقل الذي يصبر ويخطط ويتحين اللحظة المناسبة ليقلب الطاولة في هذه
المعادلة الصامتة كانت الجاسوسة إليزابيث تسوركوف ، أداة متخفّية
تتنقل بين شوارع بغداد لا كباحثة بل كخيطٍ دقيق في نسيج استخباري معقد
هدفه خرق جدار الوعي الشعبي في العراق .
لكن من اعتقد أن الأرض مكشوفة نسي أن الصمت هنا ليس ضعفًا بل إعداد
طويل لمعركة بلا ضوضاء اختطفت تسوركوف في عملية محكمة ، نفّذت كما
يُنفذ العمل الجراحي دقيق، نظيف، بلا أثر ' لم تكن مجرد ضربة أمنية،
بل درسًا قاسيًا لأجهزة الاستخبارات الدولية ، لم تترك العملية دليلاً
بل تركت صدمة والخسارة هذه المرة لم تكن جسدية بل خسارة شبكة كاملة
وخرائط نفوذ استخباري كانت تتحرك في الظلال .
تُسرب الأحاديث بين الفينة والأخرى عن صفقة تبادل بواسطة الحكومة
العراقية وقد تفتح هذه الصفقة أبوابًا كانت مغلقة إذ إن المعلومات
تشير إلى إطلاق تسوركوف مقابل سبعة معتقلين من بينهم عقول ميدانية
نفذت عمليات نوعية ضد النفوذ الدولي ، ومعهم مواطن ايراني الجنسية لم
تكن الصفقة مجرد تبادل، بل كانت إشارة حاسمة ان في العراق هناك من
يُخطط، يراقب، ويضرب حيث لا يتوقع العدو .
المقاومة في العراق لا تعلن عن نفسها ولا تحتاج إلى استعراض ' ورقة
واحدة فقط من صندوق أدواتها كانت كافية لإرباك موازين القوى ' لا عبر
الضجيج بل عبر الصمت فكم سيتحمل العدو ضغط الانتظار وكم سيتنازل حين
لا يعرف من يجلس على الطرف الآخر من طاولة التفاوض .
نحن أمام معادلة جديدة ساحة تتحرك فيها الأعين لا الأقدام، وتُزرع
فيها المصائد لا الرصاص هنا، لا تُطلق الرصاصة، بل يُترك الهدف يتآكل
من رعبه والرسالة الأوضح لا أحد خارج دائرة الرد، ولا أحد محصن من يد
العقاب، حتى وإن تخفّى تحت رايات دبلوماسية أو أكاديمية .
السلطة اليوم لم تعد في يد من يرفع شعارها ، بل في يد من يفكر من
يستطيع أن يحاصر خصمه دون أن يظهر ويكسب جولة دون أن يُعلن بدء
المعركة هذا هو وجه الحرب الحديثة حرب بلا ضجيج بلا شهرة لكنها تحسم
النتائج على أعلى طاولة .
هكذا تُصاغ الانتصارات عند ما يكون العقل أقوى من السلاح
عبدالله عباس