بسم الله الرحمن الرحيم 
في ذكرى اكتشاف المقابر الجماعية:
وصمة عار ضد البعث وطاغيته لن تُمحى، 
ونداء للعدالة والإنصاف.

تُعد المقابر الجماعية التي اكتُشفت في العراق بعد سقوط النظام البعثي البائد، واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية التي شهدها العصر الحديث. وها نحن نُحيي اليوم، 16 أيار/مايو، من كل عام هذه الذكرى الأليمة، التي ترمز إلى بداية كشف الحقيقة عن الفظائع التي ارتُكبت بحق الأبرياء من أبناء الشعب العراقي من قبل الطاغية صدام وحزب البعث البائد ( 1968-2003).

ففي مثل هذا اليوم من عام 2003، وبفضل توفيق الله تعالى، استطعت  وبتعاون المعنيين من المسؤولين وعوائل الشهداء  اكتشاف أول مقبرة جماعية في قضاء المحاويل بمحافظة بابل، والتي ضمت رفات أكثر من ألف شهيد مظلوم. هذا الاكتشاف شكل بداية لمسار مؤلم من البحث والتنقيب عن الحقيقة، حيث تبيّن لاحقا أن هناك أكثر من 800 مقبرة جماعية في مختلف المحافظات العراقية، دفن فيها مئات الآلاف من الشهداء بعد تعذيبهم وقتلهم بطرق وحشية، وتم استهدافهم بسبب مواقفهم الوطنية أو الدينية أو الفكرية، دون أي ذنب سوى رفضهم للاستبداد والظلم.

إن هذه الجرائم لم تقتصر على النظام البعثي وحده، فقد سار تنظيم داعش الإرهابي على نهجه، مرتكبا جرائم مماثلة من القتل الجماعي ودفن الضحايا في مقابر جماعية، لا تزال تُكتشف تباعا في عدة محافظات، في ظل جهود متواصلة تبذلها الجهات المختصة وأهالي الضحايا لكشف الحقيقة وتوثيق الجرائم ومحاسبة الجناة.

وفي هذه الذكرى، نستذكر بكل إجلال وإكبار مئات الآلاف من الشهداء، من مراجع الدين والعلماء والأساتذة والمثقفين والمجاهدين والسجناء السياسيين، الذين عُذبوا بوحشية وقتلوا بدم بارد، كما نستحضر جرائم القصف والإبادة التي طالت المدن المقدسة، ومناطق الأهوار، وحلبجة، وقرى الأنفال، وغيرها من المناطق المنكوبة التي ذاقت ويلات الإرهاب والاستبداد من قبل النظام البائد .

إننا اليوم، إذ نُحيي ذكرى هذه الفاجعة الوطنية والإنسانية، نُؤكد على ما يلي:
1. ضرورة توثيق جميع جرائم المقابر الجماعية وتقديم مرتكبيها إلى العدالة، محليًا ودوليًا.
2. دعم الجهود الوطنية والدولية للكشف عن المقابر المتبقية وضمان حقوق عوائل الشهداء في التعرف على مصير أحبّتهم.
3. الوقوف مع ضحايا الإبادة الجماعية في كل مكان، وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني الذي يتعرض اليوم لجرائم مشابهة من قبل الاحتلال العنصري البغيض.
4. العمل على ترسيخ ثقافة العدالة وحقوق الإنسان، ومنع تكرار هذه الجرائم ضد الإنسانية تحت أي ذريعة أو غطاء سياسي أو أيديولوجي.

ختاما، نؤكد أن دماء الشهداء لن تذهب سدى، وأن صوت الحق لن يُخرس، وأن العراق لن ينسى أبناءه الذين سقطوا شهداء في طريق الحرية والكرامة. الرحمة والخلود لأرواحهم الطاهرة، والمجد لكل من وقف بوجه الاستبداد والظلم في أي زمان ومكان.

        الدكتور وليد الحلي 
           الأمين العام 
لمؤسسة حقوق الإنسان في العراق 
             16 أيار 2025