لا تخلو الأرض من حجة، ولا يخلو بيت من داعية || د. عمران كاظم الكركوشي
لا تخلو الأرض من حجة، ولا يخلو بيت من داعية.
د. عمران كاظم الكركوشي
الايمان بعقيدة وجود الحجة (ظاهرة او باطنة) ودوام حضورها في حركة
الحياة يجعل من الدعاة في حال ترقب دائم. وتماسك هادف وانتظار لتجليات
الرعاية الربانية الدائمة لملكه سبحانه وتعالى، واستهداف شامل لمفردات
الحياة أينما وكيفما كانت.
في كل بيت داعية….. هو الهدف المؤكد لكل جماعة تهتم بالدعوة،
وحزب الدعوة الإسلامية في مقدم تلك المجتمعات المنظمة والهيئات
والتنظيمات السياسية التي تؤمن بنشر الدين الإسلامي في مفاصل الحياة،
وهي بهذا المقدار والنوع الأخلاقي تحتاج ان يكون لها اتصال وتواصل مع
الهرم الاجتماعي، ليكون لها في كل مفردة حياة، وفي كل زاوية ممثل
داعية الى الله تعالى يهتم بإيصال الفكر الاخلاقي ويحفز الوعي الديني
لدى أفراد الامة وتخليق افراد يهتمون، وعلى علم بأهم تكليف اخلاقي
يواجه الناس وهو الواجب الديني الخالص.
تحتفل الدعوة هذه الأيام بميراث زمني بلغ 69 عاما، غطت مساحة فير
قليلة في ميدان الدعوة الى الله تعالى في جغرافيا سياسية واسعة. ولأن
المسؤولية اليوم اتسعت، وتشعبت سبل الوصول إلى الناس في كل مكان، لابد
أن تلاحق الدعوة الضرورات إلى حيث تسكن حتى البيوت.
إن حاجة الأمة إلى ناطق بالحق وداع إلى الهدى تتصاعد مع تطور اهداف
الدول الصناعية في الهيمنة على الأفراد والجماعات أنى كانت، وعليه فإن
قصدية العمل الدعوي لابد أن تنفذ إلى حيث تستهدف تلك التكنولوجيا
المتجددة. والوصول إلى الأفراد والجماعات والمؤسسات الاجتماعية لكي
تكون الدعوة حاضرة لتدافع عن النظام وأنظمة الضبط الاجتماعي، وتعين
الإنسان على النهوض بمسؤولياته وتحفيزه على مقارعة الضغوط المتوالية
عليه والحروب المعلنة والباطنة على وجوده. وتعد خبرة الدعوة في
التواصل ثم حضورها في الوعي الاجتماعي يسهل سبل وصولها إلى هذه
المعادلات الاجتماعية.
يشهد العالم اليوم تطوراً تكنولوجياً هائلاً، مما يغير أنماط حياتنا
بشكل جذري. وبالرغم من الفوائد العديدة التي تجلبها التكنولوجيا، إلا
أنها تطرح تحديات كبيرة على الأمة ومؤسساتها العاملة.
أبرز التحديات التي تواجه الامة والعمل السياسي في ظل هذا التطور هو
ضعف التواصل والتفاعل المباشر والإدمان على الشاشات والعزلة اجتماعية
والسياسية والانغماس في العالم الافتراضي وفقدان الارتباط بالبيئة
العامة، والذي انعكس تحديات التربية وتعرض الامة للمحتوى الضار وصعوبة
المراقبة وإلغاء الخصوصية الفردية والاجتماعية.
وأدى التطور السياسي والتكنلوجي والاتصالي في العالم الى تغيير
الأدوار والمسؤوليات وذلك بتعدد المصادر المعلوماتية التي أدت إلى
تحدي النظام الهرمي للسلطات الى جانب تغيير نمط الحياة بسبب
التكنولوجيا وانقلاب الروتين اليومي للأفراد والمجموعات.
وكذلك اخذت المشاكل النفسية والاجتماعية حيزا كبيرا في حياة المجتمع
كالإدمان على الألعاب الإلكترونية والعنف الإلكتروني وتأتي الدعوة
كعامل حاسم في معالجة هذه الظواهر وهي تستطيع عمليا ان تشارك فيها او
الدعوة الى العمل بها جزئيا او كليا مثل تحديد أوقات محددة لقطع
الاتصال والمشاركة الأنشطة الترفيهية وفتح حوار صريح مع الأطفال
وتثقيف الوالدين والتعاون مع المدرسة والمجتمع.
ويمكن ان تلعب الدعوة أدوارا في هذا السياقة كتقديم محتوى إسلامي جذاب
وموثوق عالي الجودة يواكب العصر، ويستخدم لغة عصرية مبسطة. وتقديم
برامج تعليمية تفاعلية تناسب مختلف الفئات العمرية. ونشر محتوى إيجابي
يساهم في بناء مجتمعات قوية متماسكة. ومكافحة الأفكار المتطرفة التي
تحرف صورة الإسلام وتقديم تفسيرات صحيحة للأحاديث والآيات التي قد
يساء تفسيرها، وتعزيز قيم التسامح والاعتدال والوسطية وتوجيه الشباب
نحو الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا والتوعية بمخاطر الانترنت والإدمان
على وسائل التواصل الاجتماعي، وتشجيعهم على الاستفادة من التكنولوجيا
في تطوير أنفسهم وخدمة مجتمعاتهم. وتقديم برامج تدريبية لتعليم الشباب
مهارات التعامل مع التكنولوجيا بشكل آمن ومسؤول. وفي مجال العلاقات
ينبغي بناء جسور التواصل مع غير المسلمين تتمثل في تنظيم حوارات
مفتوحة مع أصحاب الديانات الأخرى. وتقديم صورة إيجابية عن الإسلام من
خلال الأعمال الخيرية والخدمة المجتمعية. والتعريف بالقيم المشتركة
بين الأديان. وتعزيز التعاون مع المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية،
اذ لابد من العمل مع الحكومات لسن قوانين تحمي المجتمع من الآثار
السلبية للتكنولوجيا. والتعاون مع المنظمات الدولية لمكافحة التطرف
والعنف. وفي هذه الطريق الجهادي الطويل الأمد تواجه الدعوة تحديات لا
مناص من الوقوف عندها كانتشار المعلومات المغلوطة وانتشار الأخبار
الكاذبة والشائعات التي تضر بصورة الإسلام. والاستقطاب والتطرف ووجود
تيارات متطرفة تسعى إلى تشويه صورة الإسلام. وصعوبة الوصول إلى بعض
الفئات كصعوبة الوصول إلى بعض الفئات المستهدفة مثل الشباب
والمهاجرين. وهنا لابد لتجاوز هذه التحديات، يجب على الدعاة إلى
الإسلام ان يهتموا بالتخصص والاحتراف والحصول على التخصص والمعرفة
اللازمة للتعامل مع القضايا المعاصرة. والتعاون والتكامل والعمل معًا
كفريق واحد لتحقيق الأهداف المشتركة. التجديد المستمر ومواكبة
التطورات التكنولوجية والاجتماعية.
ان القطيعة الأخلاقية التي تعيشها وتعمل عليها الحضارة المعاصرة تدفع
الدعاة الى استئناف العمل بوسائل (جزئية شاملة)، وذلك لقمع الاستهداف
الشامل للمسلمين الذي تمارسه القوى المتوحشة المعاصرة، وتختبر الدعوة
قدراتها ان استطاعت ان تنبت داعية في كل بيت لتحصين الامة والتحضير
لمشروع الحجة الظاهرة.