صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله || د. وليد الحلي / 31-5-2023
بسم الله الرحمن الرحيم
( صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله)
أولى الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الاهتمام بهداية
الإنسان وإخراجه من الجاهلية عبر تنشيط العقل والعلم ليجابه السلاطين
الذين يستغلون الجهل والعاطفة والمال لإسقاط الإنسان في مخططاتهم
المعادية للفضيلة والكرامة البشرية، قائلا :
" صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله"
و "لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى تكون فيه خصال ثلاث التفقه في
الدين وحسن التقدير في المعيشة والصبر على الرزايا"..
ومحذرا بقوله (ع):
"اصحب السلطان بالحذر، والصديق بالتواضع، والعدو بالتحرز، والعامة
بالبشر"
نشط الإمام بنشر الفكر الإسلامي عبر الحوارات والدروس الإسلامية
والتوجيهية التي كان يحضرها العلماء والفقهاء والشخصيات الإسلامية
والمذاهب الفقهية وغيرها في المجتمع.
متصديا لتيارات وحركات التشويه الفكري والديني والتي ترعرعت بدعم حكام
الدولة العباسية وشحنت الأجواء بالاختلافات الفقهية والأزمات
السياسية، ومنها تيارات الإفتاء، وتفسير القران بالرأي، والواقفية،
والغلاة، والمشبّهة والمجسّمة والمجبّرة والمفوّضة، وتيار القياس
والاستحسان والرأي.
أكد الإمام على مشروع “أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا”، وعندما
قيل له: كيف نحيي أمركم؟ قال: “بتعلم علومنا وتعليمها للناس، فإن
الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا”،
وموضحا إن مهمة الأمة الربانية في التصدي للانحراف والتزييف وتزوير
السلاطين ووعاظهم.
ولد الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في 11 ذي القعدة عام (148
هـ) في المدينة المنورة و تصدى للإمامة في عام 183 هـ، بعد شهادة
والده الأمام موسى الكاظم (ع) وعمره (35) عاما واستمر (20) عاماً قضى
17 عاما منها في المدينة المنورة في زمن حكم هارون وأولاده الأمين
والمأمون. لم يعلن عن إمامته إلا بعد أربع سنوات على استشهاد والده
عند انتهاء فترة نفوذ وسيطرة البرامكة على دولة هارون العباسي في عام
187هـ.
طرح حكام الدولة العباسية في بداية حكمهم شعارات مضللة للناس، إذ
رفعوا شعار السير على نهج أئمة أهل البيت (ع) ضد طغيان الدولة
الأموية، وإذا بنظامهم يسير على نفس المنوال من القهر
والظلم.
عمد المأمون بتنفيذ مخططه باستخدام منهج الضغط والملاحقة والسجن والتي
عرف به الخلفاء الأمويون والعباسيون تجاه أئمة أهل البيت (ع)، إلى
أسلوب الاستيعاب والاستقطاب وإدخالهم في منظومتهم، بعد أن رأى أن
الأسلوب السابق لم يعد مفيداً، بل كان يساهم في تعميق حضور أهل البيت
(ع) في وجدان الناس، وأدى إلى تنامي الثورات على الحكم الأموي
والعباسي وإرباكه وإضعافه.
بعد الرفض المتكرر من الإمام لهذه "ولاية العهد" قبل بها ووضع شرطا
مهما إلا وهو عدم علاقته بالشؤون التنفيذية في ولاية المأمون، لأنه
خبر مخطط المأمون في هذا التعيين الشكلي.
وفي خلال تسلمه للولاية، وحتى يتلافى أي تورط في مساوئ الحكم وتبعاته،
أو تحمل أوزاره وفساده، اشترط (ع) على المأمون عندما أبلغه برغبته
بتوليه ولاية العهد ان لا يتدخل في أي شأن من شؤون الحكم أو التعيينات
التي تجري فيه، مادامت الخلافة بيده، وكثيراً ما حاول المأمون أن
يدخله في بعض تفاصيل حكمه، ولكنه لم يقبل بذلك، فهو بذلك فوت على
المأمون فرصة تحميل الإمام (ع) مسؤولية الفساد وتشويه صورة أهل البيت
(ع) في وجدان الناس.
مارس الإمام في "ولاية العهد" دوره في إصلاح الحكم من خلال الشروع في
تغيير الواقع لتصحيح الانحرافات الدينية والسلوكيات المخالفة للدين في
الحكم ضمن منهج توعية الناس ووعظهم بالفكر والمبادئ والقيم الإسلامية،
وإرشادهم لالتزام الحق ونبذ الباطل من خلال قنواتهم التنظيمية
السرية.
وعندما ازداد نشاط الإمام الرضا (ع) وأصبح تأثيره كبيرا في المجتمع،
قرر المأمون تنفيذ خطته بسرعة وذلك بالتخلص من الإمام بدس السم له
الذي أدى إلى استشهاده عليه السلام في مشهد المقدسة في آخر شهر صفر
عام 203 هـ وعمره (55) عاما، وبعد ثلاث سنين من توليه ولاية
العهد.
وليد الحلي
11 ذو القعدة 1444
31 أيار 2023