إذا هممت بأمر فتدبَّر عاقبته || وليد الحلي 14-5-2023
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا هممت بأمر فتدبَّر عاقبته
( فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن يك رشدا فأمضه وإن
يك غيا فانته عنه)
هذه وصية رسول الله محمد ( صلى الله عليه وآله) التي نقلها الامام
جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام) في رشد التدبر لتحديد الأفضل
لمستقبل الانسان.
فالعقل هو القائد لهذا المستقبل لشموله على الوعي والإدراك والتفكير
والمعرفة والذاكرة، والقدرات التي تقدر الخير أو الشر والضرر في
الأفعال والمنافع والمشاعر والانفعالات والمواقف والتي تجعل الانسان
متميزا عن غيره من المخلوقات بهذه النعمة الكبيرة من الله عز
وجل.
وفي هذا الحديث أكد الامام الصادق ( ع) على أن العقل والفضيلة
أسس نجاح الانسان في مستقبله لضمان بقاء العقل حاكماً على سلطان
الشهوة والغضب والوهم والغي والسقوط في الرذيلة والفساد، وإتباع
الباطل، قائلا (ع):
( ثلاث خِصال من رزقها كان كاملاً: العقل، والجمال والفصاحة)
و ( أكمل الناس عقلاً أحسنهم خُلقاً).
ان الحملة التي تتعرض لها البشرية من قبل جهات منحرفة متنوعة محلية
ودولية، تستهدف العقل والفضيلة، وواضح أن المصائب التي تواجه
الانسانية كثيرة، وأهمها:
- زرع الفتن لإضعاف سيطرة العقل والفضيلة على سلوك الانسان،
- نشر الاشاعات الكاذبة وتوجيه التهم المفتعلة للعاملين
المخلصين،
- تنشيط دور دولة الزيف الأعلامي والسياسي،
- نشر الفيديوهات التي توجه الفساد ووسائل التواصل الاجتماعي المضللة
للشباب والشابات،
- الحملة الكبيرة لنشر فساد قوم لوط، وإفساد الأسر وتفككها في
المجتمع،
- نشر الاكاذيب والقصص غير الواقعية للتفريق فيما بينهم،
- نشر الفتن التي تحفز الاقتتال والعدوان والبغضاء بين الشعوب
لإضعافها واستغلالها والسيطرة على ثرواتها.
- الحرب النفسية لإخضاع الشعوب عبر تهديد العالم بالحروب النووية
والكيميائية والبيولوجية.
- نشر الامراض والأوبئة والفيروسات لتدمير الانسانية
المعذبة.
- نشر المسكرات القاتلة مثل المخدرات في المدارس والوظائف ودور الفساد
الاخلاقي المتنوعة.
ينقل عن الامام الصادق قوله: "حرّم الله الخمر لفعلها وفسادها، لأن
مدمن الخمر تورثه الارتعاش، وتذهب بنوره، وتهدم مروته، وتحمله على أن
يجتري على ارتكاب المحارم، وسفك الدماء، وركوب الزنا، ولا يؤمن إذا
سكر أن يثب على حرمه، ولا يعقل ذلك، ولا يزيد شاربها إلا كلَّ
شر".
وقد قال الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ
عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ-
المائدة:90﴾
اما المخدرات فانها آفة مهلكة للمجتمع وهي من وسائل الحرب الناعمة ضدّ
شبابنا وشاباتنا وإسقاطهم لجعل دورهم مخربا للبيئة الاجتماعية السليمة
ولنمو البلد.
والإمام وقف ضد الانحراف والمؤسسات المشوّهة للدين مثل الغلاة
والتصوف والإلحاد والزندقة وغيرها من المجبرة والمفوضة وظهور حركات
غريبة، ومبادئ فاسدة. شاجبا الانحراف السياسيّ الذي كان صنيعة
الحكّام، والانحراف المجتمعي لدى الأمّة.
وفي الوقت نفسه كان مشجعا على الانفتاح على المدارس الفكرية
والعقائدية عبر الحوار والتسامح، وجمع علماء الدين والمفكرين
والشخصيات الكبيرة في دروس أبرز فيها علوم عصره، وأوجد عمقا وحركية في
الاجواء السائدة آنذاك مع دعم حركة التدوين الفكري والعقائدي والمختلف
العلمي،
فأصبح الامام جعفر الصادق (ع) قدوة العلماء المفكرين والحكماء و علماء
الدين والعلوم الطبيعية والقضاة.
وهو الذي أسس مدرسته العلمية للتحرر من الجمود والتحريف في التفسير و
الحديث والعلوم الاخرى حتى عد من حضر دروسه الآلاف من العلماء وطلبة
العلوم لإعدادهم لنشر الفكر الاسلامي من دون تحريف وتصون المجتمع عن
التناقضات وكتاب السلطة لتزوير العقيدة والفكر.
بقي الامام الصادق (ع) موجها لهذه المدرسة في عهد العباسيين وبقيت على
استقلال نهجها ووضوح مناهجها فكانت قذى في عيون السلطة العباسية كما
كانت للسلطة الاموية وبدأ العداء يكبر بشكل تدريجي، مؤكدا على
ان :
( لا تذلوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم، فإن كان عادلا فاسألوا الله
بقاه، وإن كان جائراً فاسألوا الله إصلاحه، فان صلاحكم في صلاح
سلطانكم، وإن السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم، فأحبوا له ما
تحبون لأنفسكم، واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم).
نستلهم في ذكرى شهادة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام (
مسموما من قبل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور في 25 شوال عام
148هـ، وعمره (68) عاما ودفن في مقبرة البقيع في المدينة المنورة)،
ضرورة التصدي لإصلاح المجتمع وتربية الشباب والتوعية على الاستعداد
لمجابهة المخططات التي تعد من قبل الدوائر المعادية لحرف مسيرة
الانسان الى ربه ببديل السقوط في لذات الدنيا الزائلة باستخدام الطرق
غير المشروعة والمنتهكة لحقوق الانسان.
قال الامام الصادق (ع): ( لا يقبل اللّه عملاً إلا بمعرفة، ولا معرفة
إِلا بعمل، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة
له، ألا إِن الإيمان بعضه من بعض".
وقال (ع): " العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، لا يزيده
سرعة السير إِلا بُعداً".
فسلام عليه يوم ولد، ويوم أستشهد ويوم يبعث حيّاً.
وليد
الحلي
14 أيار 2023-شوال 1444