التوافق ومخاطر تزوير إرادة الامة || د. عمران كاظم الكركوشي
التوافقات التي تحدث بعد الانتخابات وطبقا لنتائجها يمكن ان تؤدي الى
تزوير إرادة الامة وبالتالي هي أكثر خطورة ربما من التزوير الذي يمكن
ان يحدث حين العملية الانتخابية، لان التوافقات قد لا تخضع الا لمصلحة
الكتل السياسية التي تعمل على تحييد إرادة المجتمع وقد حدث ذلك في
أكثر من مرة في اختيار رئاسات دون رضا الامة وخارج
قناعاتها.
اختيار رئيس الحكومة مدخل لإقامة التزوير ولكن بأيدي القوى السياسية
والقوى التي تهيمن على المشهد العراقي داخليا وخارجيا. ومنذ العام
2014 والى الان بدأت عملية التزوير على مستوى واضح في اختيار رئاسة
الحكومة من خارج النتائج الانتخابية ما ادى الى فتح باب عزل مفاصل
العملية الديموقراطية ان تؤثر بشكل حاسم او ان تصل إرادة الناخبين الى
نهايتها المرجوة.
وكما تطالب المرجعيات الدينية والقوى السياسية على حد سواء ان يفي
الشعب والناخب بواجباته وان يذهب للاقتراع وينتخب ويحترم الاليات
الديموقراطية، ننتظر من القوى السياسية ان تفي من جانبها وان ترد
الدين وتلتزم من جانبها بالمشروع السياسي والخطوات والاليات
الديموقراطية في اختيار رئاسة الحكومة وفق ضوابط العرف والتقرير
والتعاليم والتشريعات الدستورية التي تلزم الجميع.
لعل ما حدث من خروقات بعد عام 2014 في اختيار رئيس الحكومة والوزراء
والرئاسات يشكل خرقا فاضحا للقانون وكانت النتائج فاضحة وبنفس المستوى
وهذا ظاهر للعيان إذا أدت تلك (السقيفة)الى نفق مظلم وانتخابات مبكرة
ارتكزت الى نزيف دام من الأرواح الانفس والثمرات، وبالتالي أصبح لزاما
ان تعود القوى السياسية الى المبادئ الأساسية في العملية الديموقراطية
ولاتكشف عورة التجربة العراقية الى حد الفضيحة التي لاتليق بالجهد
الشعبي والديني والعقائدي المبذول للحفاظ عليها.
وهذه المرة يبدو ان الخلل لن يكون سهلا، ولايجب ان يكون الطريق سالكا
امام أي قوة تريد ا ن تستفز المعطيات الأساسية للعملية الانتخابية
ونتائجها، ونتوقع ان يكون هناك تدخلا أكبر من المرجعية في ضبط إيقاع
العمل السياسي ومراقبة الالتزام بشروطه القانونية من لحظة اعلان نتائج
الانتخابات الى أحد أداء اليمين الدستورية للحكومة القادمة. وكذلك
نلحظ من المشاركة (الذهبية) للقوى الأمنية في العملية الانتخابية ان
تلك القوى ذاهبة الى الامام وبقوة لمعاينة الأداء السياسي وحفظ مقومات
التجربة وضمان نتائج عادلة لمخرجاتها.
لعل التغيير الأعظم في هذه الانتخابات الذي يجب ان يلاحظه الناخب
والمتابع والمراقب داخل العراق وخارجه هو مدى مصداقية والتزام القوى
السياسية بالقانون والدستور والاحترام المثالي لإرادة الناخبين لأنها
الفرصة الأخيرة على ما يبدو امام العراق ان ينجو من الغرق بما يتسرب
من تصدعات سببتها محاولات ناجحة للإفلات من الالتزامات الدستورية
والانعطافات غير المنضبطة التي اضاعت الجهد والوقت امام العراقيين في
بناء دولتهم وحاضرهم ومستقبلهم.
والمعني بالتصدي لهذه المحاولات هم القوى السياسية والأحزاب التي لها
باع تاريخي واسهمت بشكل فاعل في بناء والمحافظة على العملية السياسية
وقدمت التضحيات التي لايمكن الاستهانة بها امام استحقاق مصيري لتثبيت
اركان دولة القانون.