الدولة واخر أيام الديموقراطية في العراق // د. عمران كاظم الكركوشي
حدس منهجي يؤسس لفرضية تقول ان الانتخابات القادمة في العراق ستكون
اخر عهدنا بالديموقراطية ولكن بشرط ان تسيء القوى السياسية استثمار
هذه الفرصة التاريخية.
فالان وصلت عملية الاشباع السياسي مستوى متقدما لدى الناس وتراكمت
واتسعت الفجوة ليس بين النظام السياسي وضروراته فقط بل بينه وبين اسسه
العلمية ونتائجه ومعطياته مقارنة بالأصول الديموقراطية
المجاورة.
وقد تفقد الجهات الضامنة اخر ما بجعبتها من تقدير اجتماعي يمكنها من
السيطرة على الوعي الاجتماعي والسلوك المستند الى تعاليمها. وكذلك
ينفد صر الطبقات المهكة من الانتظار.
الفرصة التاريخية الان تتعلق بقدرة تحول المكونات السياسية الى العمل
بشكل مختلف جذريا الى مستو مادي ملموس والابتعاد عن شبح التوترات
الداخلية والخارجية والحصول على اتفاقات خارجية وداخلية تفتح باب
الاستثمار والتفاعل المباشر بين المجتمع العراقي ومجتمعات العالم
وإعادة الهيبة للإنسان العراقي والمادة العراقية الوطنية على الصعيد
الدولي لتنافس في خرائط التفاعل الدولي بمختلف اشكاله. ولابد ان تؤسس
لحقبة جديدة تمنح الراي العام فسحة من الراحة والاستجمام السياسي
والفكري والاجتماعي وإعادة تأسيس منظومة الأدوار والمكانات والتفاعلات
والعلاقات الاجتماعية ثم النسق العام ان يعمل بشكل منطقي وطبيعي بمعزل
عن مفردات التوتر الذي يسود العالم وتزداد مواضيعه ومتغيراته بحسب
ملاحظة العلاقات الدولية الحالية.
يبدو ان القوى الإقليمية يجد صعوبة بالغة في تامين محيط مقبول للتجربة
العراقية كما تزداد حساسية المجتمعات السياسية المجاورة لتجربة عراقية
تعتمد على صناعة ذاتية في علاقاتها الداخلية والخارجية فهي تريد لها
ان تكون دكتاتورية بلباس ديموقراطي يقلل من التهديدات التي تبعثها
التجربة العراقية للمناطق المجاورة.
ويبدو ان التهديد الذي تمثله التجربة العراقية ليس سياسيا نظاميا فحسب
بل اقتصادي واجتماعي وثقافي لا تريد المجتمعات المجاورة ان يتغلب
عليها هذا النموذج او ينافسها بل حتى ان يأخذ حيزا جغرافيا يقضم من
الإقليم والمنطقة جزءا من مصالحها الى مصالح الشعب العراقي.
الان ينبغي ان تظهر وتنمو قناعات لدى الطبقة السياسية على مستوى
القيادات العليات والوسطية في اقل تقدير انها يجب ان تنضم لبعضها
داخليا وتنسجم وتتفاعل بالمشتركات وتقنع الغرباء في الأقاليم المجاورة
ودول العالم ان عراق قوي عال المقام ممتنع بذاته أفضل للعالم من عراق
مفعم بالنتوءات التي تشكل عقبات امام كل السبل التي تمر من
خلاله.
قد تسعى دول اخري في العالم الى نسف معالم العراق كبلد وامة ونظام
ونسق وتحويله الى مكبا مهجورا (للنفايات السياسية) العابرة للحدود،
وتنجح في ذلك إذا لم نستغرق في جهود نجاح تجربتنا السياسية والالتفاف
على مكوناتها وتثبيت مقدار أساس من التفاهم الداخلي وتحقيق مقدار من
الإنجازات التي تمنح شرعية للتجربة ان تستمر ومشروعية للسياسيين ان
يبقوا في منازلهم السياسية وغير هذه الخارطة التي يجب ان تتفق عليها
القوى السياسية من الان وحتى قبل نتائج الانتخابات لان يوم 11 تشرين
الأول سيكون مختلفا جذريا عن اليوم الذي قبله، فأما الدولة او وداع
الديموقراطية.