نوري المالكي .. قيادة تتجدد وإرادة لا تلين في ميدان السياسة العراقية // د.ناجي الغزي
نوري المالكي: قيادة تتجدد وإرادة لا تلين في ميدان السياسة
العراقية
بقلم:د.ناجي الغزي/كاتب سياسي
تجدد الثقة بقيادة السيد نوري المالكي كأمين عام لحزب الدعوة
الإسلامية، خلال المؤتمر التاسع عشر للحزب، لا يمكن أن يُقرأ بمعزل عن
السياق السياسي العراقي المتشابك، ولا عن سجل هذا الرجل الذي عرفته
الساحة العراقية كواحد من أكثر القادة حضوراً وإثارة للجدل والرهانات
على حدّ سواء.
إن إعادة انتخاب المالكي ليست مجرّد محطة تنظيمية داخل حزب الدعوة، بل
هي شهادة ميدانية متجددة على حجم تأثيره، ومتانة موقعه في المعادلة
السياسية الشيعية والعراقية عمومًا. فالرجل لم يكن مجرد رئيس وزراء
سابق أو زعيم كتلة سياسية بارزة، بل كان وما زال عقلًا استراتيجياً
يُدير الملفات بعين رجل الدولة، ويجمع حوله أطيافاً شتى من التيارات،
حتى في أكثر اللحظات السياسية انقساماً واحتداماً.
منذ توليه الأمانة العامة للحزب في عام 2006، قاد المالكي الدعوة في
ظرف استثنائي، حيث كانت البلاد تئن تحت وطأة الإرهاب والانقسام
الطائفي، واستطاع أن يمسك بتلابيب الدولة ويعيد بناء مؤسساتها رغم
العواصف العاتية. كانت تجربته في الحكم مشبعة بالتحديات الأمنية
والسياسية، ولكنها في الوقت ذاته مفعمة بإرادة الصمود والتمسك بخيار
الدولة، وبالسعي الحثيث نحو وحدة القرار الوطني.
رجل العقد والحل
اللافت في أداء المالكي السياسي، أنه لا يعتمد الخطابة ولا التهويل،
بل يراهن على البناء الهادئ والبطيء للنفوذ، من خلال مؤسسات الدولة،
وتحالفات الواقع، والمراكمة السياسية. وهو بذلك يشبه القادة
التاريخيين الذين يمضون في الظلال أحيانًا ليظهروا في لحظات الحسم،
فيجمعون الفرقاء، ويبددون الشكوك، ويوجهون البوصلة نحو الثوابت
الوطنية.
لم يكن المالكي زعيمًا ظرفيًا لمناسبة عابرة، بل مشروع قيادة متكامل
تشكل على نار التجربة الطويلة، بين المنفى والميدان، بين الدعوة
السرية والدولة العلنية، بين إدارة الأزمة وصناعة التوازن. ومن هنا،
فإن ما يحمله من رصيد تنظيمي وتاريخي يُكسب حزب الدعوة الإسلامية طابع
الثبات والاستمرار، ويمنحه روحًا قادرة على التكيّف مع التحولات من
دون أن تفقد جوهرها العقائدي.
بين الدعوة والدولة
في شخصية نوري المالكي يلتقي البعد الدعوي مع الحسّ الوطني؛ فالدعوة
بالنسبة له ليست خطابًا دينيًا فحسب، بل منظومة قيمية تتجلى في مشروع
سياسي متوازن يواجه الإقصاء، ويكافح الإرهاب، ويؤمن أن الشيعة في
العراق لا يسعون للهيمنة، بل للمشاركة العادلة ضمن دولة مواطنة تُحترم
فيها الإرادات ويُصان فيها القرار الوطني.
لهذا السبب، لم يتردد المالكي في مواقف كبرى مثل الدفاع عن الحشد
الشعبي، أو رفض الضغوط الخارجية، أو الإصرار على حفظ سيادة القرار
العراقي في أحلك اللحظات. فكل تلك المواقف ليست سوى امتداد لرؤيته في
أن الدولة العراقية ينبغي أن تكون قوية في الداخل، محترَمة في الخارج،
عصيّة على التجزئة، ومفتوحة على جميع مكوناتها.
إن إعادة انتخاب السيد نوري المالكي أمينًا عامًا لحزب الدعوة
الإسلامية ليست مجرد تكريس لشخصية قيادية، بل تجديد لعهد سياسي بُني
على ثوابت وطنية ومواقف مشهودة. فالمالكي لم يكن زعيمًا عابرًا في
المشهد العراقي، بل عقلًا جمعويًا وحضنًا سياسيًا احتضن التناقضات،
وفتح في ساحته أبواب الحوار، ونسج في خيوطه خرائط عبور.
وفي زمن تتعاظم فيه التحديات وتتعقّد فيه المسارات، فإن حضور المالكي
في ساحة العمل السياسي يبقى صمام أمان، ومرجعية عقلانية، وضمانة لحزب
الدعوة بأن يبقى فاعلاً ومؤثرًا في قلب المعادلة الوطنية.