بين علي المؤمن وعلي شريعتي
د. أسامة لبيب
(باحث سوري، متخصص في الدراسات الإسلامية)
ربما يوجد ثمة تشابه بين المفكر العراقي الدكتور علي المؤمن والمفكر الإيراني الراحل الدكتور علي شريعتي على مستوى إرادة الاستنهاض والتغيير، لكن المؤمن يختلف كثيراً عن شريعتي في المصادر والمداخل المعرفية والمنطلقات والأدوات والأهداف التفصيلية؛ فالدكتور شريعتي، وإن تضمّن خطابه لمحات إسلامية دينية ودعوات إلى العودة إلى العدالة الاجتماعية التي يطرحها الإسلام، لكنه في جوهر منهجه التغييري يستند الى الفكر الاشتراكي الليبرالي، والمنهج الاجتماعي العلماني في التثوير والاستنهاض وفي الأهداف، أي الخروج على النظام الاجتماعي الديني الشيعي ومكوناته، باتجاه نظام اجتماعي اشتراكي ليبرالي متحرر، وهو هدف تدميري خطير، ينسف كل المنجز الشيعي خلال (1250) عاماً من الكدح المصيري لقيادات النظام الاجتماعي الديني الشيعي في الحفاظ على النظام وحماية الشيعة من الاندثار.
ويعتقد علي المؤمن، كما ذكر في إحدى محاضراته؛ بأن عليشريعتي كان ينطلق من نوايا صادقة ومخلصة في حركته من أجل التغيير، ويستند الى مفاهيم ورمزيات دينية شيعية غالباً، ويدعو الى استحضار الإسلام الأصيل في فكر المسلمين وحياتهم، لكن هذا النوايا والدعوات النظرية لم تكن تنسجم مع مخرجاتها ونتائجها، وبالتالي؛ فهو كمن ينشد الحق ويدعو إليه، لكنه لا يجده ولا يعمل به. وهذا لا ينطبق على كل أفكاره ورؤاه بالتأكيد؛ فهناك كثير من محاضراته وتأليفاته ومقالاته مفيد وتأصيلي، لكن المشكلة هي في إمكانية الفرز بين المفيد وغير المفيد، والسليم والسقيم في أفكاره ورؤاه. وهو ما كان يدركه علي شريعتي نفسه في حياته، ويصرح بأن ما يكتبه ويقوله هي صرخات استنهاضية، وليست بحوثاً منهجية تأصيلية، حتى أنه طلب من صديقه المفكر التفكيكيمحمد حكيمي أن يكون وصياً على أفكاره، ويراجعها ويحذف كل ما يتعارض مع أصول الإسلام وثوابت الشريعة(2).
ويذهب علي المؤمن إلى أن علي شريعتي طرح أفكاره المتمردة تلك وهو شاب في العشرينات والثلاثينات من عمره، متأثراً بأفكار "ماسينيون" ومحمد مصدق ومهدي بازرگان، كونه عضواً في حركة حرية ايران الليبرالية بقيادة مهدي بازرگان، وهي مدرسة فكرية لم تقدِّم للتشيع منجزاً مهماً. وربما لو طال العمر بشريعتي، وبلغ عمر النضوج الفكري والواقعي، وعاصر النهوض الشيعي الكبير منذ العام 1979 وحتى الآن؛ لأعاد النظر في أفكاره أو يخرج نهائياً على النظام الاجتماعي الديني الشيعي، كما فعل تلامذته وأنصاره في منظمة مجاهدي خلق، التي تعتبر شريعتي (المعلم) الذي حفر في وجدان أعضائها التمرد على النظام الاجتماعي الديني الشيعي(3).
لكن الدكتور علي المؤمن على العكس تماماً؛ فهو ينطلق من الأصول التشريعية التقليدية للمحافظة على النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وتطويره وتحويله الى نظام قوي، عظيم الفاعلية والبناء والقدرة التغييرية والتمدد، أي أن هدف الدكتور المؤمن إصلاح النظام وإعادة مأسسته واستنهاضه، وشد مكوناته ببعضها، ورص علاقة القاعدة بالقيادة، ولكن وفق المعايير المقبولة والمتعارفة، وهو ما تعلمه في مدرسة السيد محمد باقر الصدر والإمام الخميني، التي ينتمي إليها، وهي مدرسة النهوض الشيعي الشامل وصاحبة الإنجازات التاريخية الكبرى، فضلاً عما أضافته له دراسته المنهجية في الحوزة العلمية الى جانب دراسته الأكاديمية، من قناعات علمية رصينة، وهو ما لم يتوافر للدكتور علي شريعي خلال حياته القصيرة، التي قضاها بين جامعات مشهد وطهران وباريس ولندن، وتشربه الفكر الاشتراكي والليبرالي منذ نعومة أظافره وحتى رحيله، ولم يحظ بفرصة المعرفة المنهجية للعلوم الإسلامية والموروث الإسلامي.
ويذهب الباحث البحراني خليل الزنجي إلى وجود هذا التمايز بين علي المؤمن وعلي شريعتي بقوله: ((تتمايز نظرية الدكتور المؤمن عن الآخرين، مثل علي شريعتي، بأن علي المؤمن انبرى لتحليل الواقع السياسي والاجتماعي والحركي للاجتماع الشيعيووحداته المحلية، بينما درس شريعتي علم الاجتماع وقام بتحليل المجتمع وفق التحليل الغربي ومقاييسه؛ فوقع في خلط كبير، كما اهتم بنقد الخطاب الديني، وتعامل بفوقية مع الواقع الديني ورجال الدين. وقد جاء كلامه عن الواقع الديني ــ في مجمله ــ انطباعيٌّ لا عمق في، ما يجعل التشيع بحاجة ملحة الى الحفر الكبير لقراءة المجتمع الشيعي قراءة تنسجم مع الإرث العقائدي والتراكم التاريخي، ولا تتجاوزه، وتقرأ الواقع المحيط قراءة واقعية كما فعل علي المؤمن(((4).
وإذا كان منهج علي شريعتي يتسم بالاندفاع والتمرد والانقلابية اليسارية؛ فإن منهج علي المؤمن يتسم بالمحافظة والاحتياط والأصولية في خطاب التجديد والإصلاح. ولعل جزءاً من ذلك يعود الى استحقاق العمر؛ فالدكتور علي المؤمن تجاوز الستين من عمره، وهو عمر يختلف في عمقه وواقعيته ونضجه، قياساً بعمر الراحل علي شريعتي الذي توفي عن (44) عاماً فقط. صحيح أن العمر ليس مقياساً لعموم الناس، لكنه مؤثر جداً في نضوج صاحب الرأي الفكري وتركيز واقعيته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات