أسس التعايش وبناء الحياة في القرآن الكريم (الحلقة 2) || السيد علي الميالي
أسس التعايش وبناء الحياة في القرآن الكريم :
(الحلقة ٢)
﴿يٰأَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقنٰكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثىٰ
وَجَعَلنٰكُم شُعوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفوا إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ
اللَّهِ أَتقىٰكُم إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ﴾ الحجرات: 13
يبين الله تعالى في هذه الآية المباركة أن الهدف من خلق الإنسان
هو اللقاء والتعارف وإعمار الحياة، وقد جاء في العديد من الآيات أن
للإنسان مسؤوليات عديدة نذكر منها على سبيل المثال:
١- أن وظيفة هذا الإنسان الأساسية هي خلافة الله تعالى في الارض
﴿وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلٰئِكَةِ إِنّى جاعِلٌ فِى الأَرضِ خَليفَةً
قالوا أَتَجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماءَ وَنَحنُ
نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنّى أَعلَمُ ما لا
تَعلَمونَ﴾ البقرة: 30، وخلافة الله تعالى على هذه الأرض تعني
أن الله تعالى قد منح هذا الإنسان القدرة والفرصة في العيش على هذه
الأرض واستعمارها لما أودعه الله فيها من الخزائن التي لا تنفد الى
يوم الدين، والتي تُمكّن الإنسانَ من العيش آمناً كريماً
مطمئناً، قال تعالى : ﴿وَإِلىٰ ثَمودَ أَخاهُم صٰلِحًا قالَ
يٰقَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلٰهٍ غَيرُهُ هُوَ
أَنشَأَكُم مِنَ الأَرضِ وَاستَعمَرَكُم فيها فَاستَغفِروهُ ثُمَّ
توبوا إِلَيهِ إِنَّ رَبّى قَريبٌ مُجيبٌ﴾ هود: 61. ففي هذه الآية
المباركة والعديد من الآيات يبين الله تعالى أن وظيفة الإنسان في هذه
الأرض هو أن يعمرها ليستفيد من كنوزها وخيراتها.
٢- إن الله تعالى قد نهى الإنسان عن الفساد في الأرض فقال تعالى :
﴿وَلا تُفسِدوا فِى الأَرضِ بَعدَ إِصلٰحِها وَادعوهُ خَوفًا
وَطَمَعًا إِنَّ رَحمَتَ اللَّهِ قَريبٌ مِنَ المُحسِنينَ﴾ الأعراف:
56 ، وقال تعالى: ﴿وَإِلىٰ مَديَنَ أَخاهُم شُعَيبًا قالَ يٰقَومِ
اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلٰهٍ غَيرُهُ قَد جاءَتكُم بَيِّنَةٌ
مِن رَبِّكُم فَأَوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ وَلا تَبخَسُوا النّاسَ
أَشياءَهُم وَلا تُفسِدوا فِى الأَرضِ بَعدَ إِصلٰحِها ذٰلِكُم خَيرٌ
لَكُم إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾ الأعراف: 85.
والذي يظهر أو يمكن ان يُستنبط من مجمل هذه الآيات وغيرها أن الخطاب
للإنسان بما هو إنسان بغض النظر عن معتقداته وإيمانه بالله وعدمه.
إن الله تعالى خلق الحياة للإنسان واستخلفه عليها وبها وأن على
الإنسان أن يعمرها وأن الله تعالى يعلم أن البشرية لايمكن من الناحية
العملية والواقعية أن تتفق على الإيمان أو الخضوع لمقررات الإيمان
إلاّ في المراحل الأخيرة من حياة البشرية عندما يتحقق وعد الله تعالى
بالفرج للقائم من آل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) الذي يملأ
الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما تُملأُ ظلماً وجوراً.
إن قلت: إن الله تعالى قد أخبرنا بأنه استعمل في بعض المراحل الزمنية
إبادات جماعية لبعض أقوام الأنبياء كالذي حصل لثمود وقوم لوط وغيرهم
وهي حالات محدده ومعدودة.
قلنا : إن الله تعالى يدعو الإنسان الى الإيمان وقد هيّأ سبحانه وسائل
قبوله في الفطرة الإنسانية، ومن خلال النظر في الآفاق وفي الأنفس،
وكذلك من خلال دعوة الأنبياء والتأييد الإلهي لهم بالبينات والمعاجز
وإنزال الكتب والتعاليم، ولم يترك الله تعالى للإنسان حجة في عدم
القبول، ولكنا وجدنا من خلال ما قصّ علينا القرآن أن بعض الأقوام
تُحجِم وتتمادى في غيّها الى درجة أنها تُغلق كل المنافذ على
الأنبياء، ولم تمكّنهم من أي حركة توحيدية على هذه الأرض، وتبقى
الساحة بتمامها لقاعدة الشرك والفساد، ويقف الكبراء وقادة الشرك في كل
مرحلة من تلك المراحل حاجزاً يحول بين القاعدة العريضة من الناس ومن
الإستفادة من الأنبياء وما جاءوا به من توحيد الله وعبادته، والذي هو
حق عام للإنسانية تنعم به بالأمان على العقل والحياة والحرية والكرامة
الإنسانية.
إن الله تعالى يريد لحركة الإيمان أن تتواجد في كل مرحلة من مراحل
الزمن لتخلق حالةً من التوازن وشيئاً من الاستقرار في الحياة، وأنه
لابد من حركة معتدٍّ بها في أي وقت أو ظرف يصل الشرك والكفر فيه الى
الدرجة التي يستحكم فيها، ويمنع من أي متنفس للإيمان، وهنا فإن الله
تعالى يتخذ قرار الإبادة لأن الناس من شريحة المتنفذين وعباد الاهواء
في تلك المرحلة قد قرروا بناء جدار عازل بين الناس وفطرتهم وبين
الإيمان، ناهيك عما يتبنّونه من الإنحراف الأخلاقي الذي يأباه الطبع
الإنساني والفطرة الإنسانية كالسلوك الذي سلكه قوم لوط.