العدل في الموقف والموقع || وليد الحلي 29-11-2022
بسم الله الرحمن الرحيم
العدل في الموقف والموقع
من أكبر التحديات التي تواجه الانسان هو التزاماته في الموقف العادل
فيما يؤمن به حقا من قيم ومبادئ وينفذه من خلال أقواله وحكمه في موقعه
الذي يعمل به.
كثرت التصريحات والمنشورات والخطابات في الدعوة لمكافحة الفساد
والشروع بالإصلاحات وغيرها من المصطلحات التصحيحية والتجديدية!
وفي الواقع نجد أن العديد من المتحدثين بها هم بالأحرى بعيدين عن
تطبيقاتها عمليا في حياتهم الخاصة والعامة وفي التعامل مع الآخر، أو
أنهم أو جماعتهم يطلقون هذه الشعارات البراقة الخادعة لكسب
الجمهور وتمرير المخططات التي يصطدم بها المواطن عندما يتفحص الحقيقة
ويجد السارق والفاسد منهم أو مدعوم من قبلهم بالسر أو العلن.
الدول المتسلطة وغيرها من حكومات العديد من الدول يستخدمون أسلوب
ازدواجية المعايير وعدم الالتزام بالعدل وقيم ومبادئ حقوق الانسان
عندما تصطدم مع مصالحهم.
دول الزيف العميق هي المنتهكة للعدل بعملها المخالف لحقوق الانسان حيث
أن أجهزتها الأمنية والاستخباراتية وألمخابراتية تقوم بتمرير الصفقات
السياسية والاقتصادية والنفطية والتجارية المشبوهة، وإشاعة الفتن
الطائفية والعنصرية والخلافات بين الشعوب، والحملات السلبية ضد
التوجهات الدينية والأخلاقية والسياسية،
وتبرير الحالات العدوانية والتسلطية لبعض الكيانات والدول،
وتعمل على التأثير على الرأي العام وتوجهات وتطلعات الشعوب
والناس.
إنّ حقائق وقيمة ومعادن النّاس إنّما تتجلّى أكثر ما تتجلّى في أوقات
الأزمات والمحن وتحت ضغط المعاناة، فالازمات والمحن هي التي تُظهر
حقيقة الناس ومعدنهم، فبالمحكّ يظهر الجوهر من الحجر، وخصوصاً من
يتحمّل مسؤوليّة القيادة.
ان القيادة الماهرة القادرة والناجحة أكثر ما تتجلّى في أوقات المحن
والأزمات وتحت النكبات والمآسي.
لقد قادت الحوراء زينب بنت الإمام علي ابن أبي طالب (ع) معارضة الحاكم
الظالم من دون يأس أو إحباط أو خضوع وبشجاعة وإباء قل
نظيرها،
وانتفضت أمام يزيد ابن معاوية وحاشيته والحضور في قصره بالشام، شاجبة
ومستنكرة فعلته النكراء في قتل الإمام الحسين بن علي (ع) وأهل بيت
خاتم الأنبياء والمرسلين وأصحابه،
قائلةُ (ع):
"ولئن جَرَّت علَيّ الدواهي مُخاطبتَك، إنّي لأستصغرُ قَدْرَك،
وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك"
"أمِن العدلِ، يا ابنَ الطُّلَقاء، تخديرُك حَرائرَكَ وإماءَك وسَوقُك
بناتِ رسول الله سبايا"
لله درك أيتها السيدة الصابرة العظيمة حفيدة رسول الله (ص) وأنت في
خضم المآسي التي ألمت بكم، وهي فوق تحمل قدرة البشر، وأنت في الأسر مع
عوائل شهداء ألطف عام 61 هجري، تخاطبين الطاغية الذي أعلن زورا حاكما
للمسلمين وهو الذي انتهك الحرمات وأمر بالمجازر ضد اهل البيت (ع).
قائلة (ع): ( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى
أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ-
الروم:10)، فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله ( عز وجل ): (وَلَا
يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ
لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ
وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ- آل عمران:178).
مؤكدة على ان الله سبحانه أعدل من أن يترك مجرماً بلا عقاب، ولا يقدم
ظالماً الى الحساب، وإنما يُطيل للظالمين المدة والمجال، لا حباً بهم
ولا خيراً لهم، وإنما ليزداد إثمهم وليُملأ سجلهم بالمعاصي وقبيح
الفعال، ليجزيهم يومئذ الله العادل المتعال، الخلود في العذاب الأليم
والعقاب المهين وبئس المآل.
نستلهم في ذكرى ولادة العقيلة زينب في 5 جمادى الأول إصرارها على
مجابهة الظالم، وبشجاعتها التي تعلمتها من أبيها أمير المؤمنين الإمام
علي (ع)، وبصلابتها في الموقف والعطاء الذي تعلمته من أمها سيدة نساء
العالمين فاطمة الزهراء (ع) ، وبحلمها وحكمتها التي خبرتها من
أخيها الإمام الحسن (ع)، وبجهادها وتضحياتها الذي تعلمته من أخيها
الإمام الحسين (ع)، وبوفائها للرسالة والأخوة من أخيها العباس (ع)،
فأصبحت أنموذجا رسالياً مجسدا للعدالة في إحقاق الحق والتصدي للظلم
والدفاع عن المحرومين والمظلومين.
وليد الحلي
4 جمادى الأول 1444
29 تشرين الثاني 2022