الدعوة والفصول الأربعة: موعد مع النظرية السياسية || د. عمران كاظم الكركوشي
الفكر والفصول الأربعة علاقة قوانين تنظم حركة الوجود تذكرنا بالمحطات
التي يترجل فيها الدعاة ومفكرو الدعوة بين فينة واخرى وتلك القوانين
التي لا مناص من التفاعل معها والتدبير السياسي طبقا لآثارها على
حياتنا.
مع ترجل كل مفكر ومؤسس دعوي إسلامي يذكرنا بدورة الخريف اذ تتساقط
أوراق الشجر ولكنها تنتظر ربيعا جديدا، واخر العمالقة الذين سقطت
اوراقهم في خريف المسيرة وشكلوا تاريخ الدعوة (صبرا واحتسابا وابداعا)
هو السيد حسن شبر ولعل رحيله يشكل منعطفا مهما للتفكير في إعادة ترتيب
الأوراق الفلسفية والفكرية للدعوة وموردا هاما في هذا السياق.
وللبداء بهذا العمل التاريخي فانه يحتاج لتشكيل سريع لخلية (فكرية)
مهمتها العمل على إعادة ترتيب أوراق الدعوة ومفكريها والتي تتأثر
بغياب المفكرين وضرورة التعامل بحرفية عالية لاستجلاب تلك المفاهيم
الى سوق العمل، خاصة وان تصدي الدعوة للعمل السياسي والدعوي قائم لم
ينفك مع كل الأسباب التي دعت الى ذلك والصعاب التي تجاوزها الحزب في
علاقاته الداخلية والخارجية مع البشر او الفكر والنظريات
المعاصرة.
غالبا اثبت التاريخ ان خريف المفكرين يعقبه ربيع النظريات، ولابد ان
يسري هذا السياق التاريخي على الدعوة فكرا ونظرية خاصة وأنها أصبحت
لديها خبرة متراكمة في العمل الجماهيري الى جانب التراث الفكري الذي
يجب ان تنتهي مرحلة الاحتفاء به الى تنظيمه ودراسته كاملا ووفق منهج
يجعل منه تراثا نظريا واضحا ومنظما مفاهيميا وفرضيا ومنهجا
ومعالجات.
قد يكون الان من الضروري تأسيس او تشكيل لجنة او خلية (بناء النظرية)
تقوم باستخلاص نظرية العمل الإسلامي عموما والعمل الدعوي خصوصا
وتقديمها للتاريخ عموما وللدعاة العاملين والجمهور العام لتكون وجودا
نظريا محكما الى جانب الوجود العملي للدعاة في خط الحياة.
ويستند عمل هذا الفريق قس انجاز عمله الى نقاط الدعم الاتية:
1- التراث الفكري الهائل لمؤسسي الحزب وعلماءه
ومثقفيه.
2- الخبرات الميدانية التي اكتسبها الحزب في مسيرته خاصة
بعد الإطاحة بالدكتاتورية.
3- العلاقات التي اكتسبها الحزب وجماهيره داخليا وخارجيا
مع مصادر المعرفة والخبراء وأصحاب الفكر والثقافة في العالم.
4- البيئة الحالية للفكر الإسلامي ومكوناته وطرق التفكير
السائدة.
لم يعد بالإمكان تجاوز الحاجة لنظرية (إسلامية - سياسية) ولايمكن
السماح ان تفلت الفرصة التاريخية، لأننا نعيش وفرة (الدوافع) وبغياب
هذه الدوافع تموت رغبة الدعاة في تبني مشروع النظرية التي تعد الأداة
النهائية الحاسمة والنتيجة المنطقية لأي جهد بشري ينوي الاستمرار
والبقاء والتأصيل لحركته وإقناع اتباعه بالأطر الفكرية والثقافية التي
يتبناها.
وتعد عملية (بناء النظرية) حافزا وجوديا لانها تجيب عن أسئلة عميقة عن
الدور الفكري الذي يمكن ان تقدمه الخبرة العملية للحزب، فضلا عن
الغالية من الاحتفاء بالمفكرين، وكذلك عملية قطاف للثمار الذي اعطى من
اجلها العلماء الإسلاميين والدعويين ارواحهم ودماءهم في سبيل حكم رشيد
قائم يفترض انه قائم على (نظرية) متكاملة وليس مجرد (قناعات)شخصية مات
من اجلها أنبل الافراد وأشرفهم مكانة.
ويمكن من خلال (التراكم) الذي تركه هؤلاء العباقرة والمضحين والشهداء
ان يقدم (تفسيرا وفهما وتحكما) بالظاهرة (السياسية الإسلامية)
وابعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وذلك شان العلم
ووظائفه التي جعل الدعاة منه منهجهم والإطار الذي يميزهم عن غيرهم من
التيارات الإسلامية التي حكمت او حاولت ان تحكم وتدير الدول
والمجتمعات في الوقت الراهن.
ولعل ربيع النظرية يخلف خريف الشهادة .