منهج الغرب لتأصيل استراتيجية القلق السياسي في العراق // د. عمران كاظم الكركوشي
معالم وأساليب الغدر الغربي بالعملية السياسية في العراق ترتقي الى
مستوى الخيال العلمي والعنف الذي تسوق له سينما هوليود.
فليس من المفهوم (أخلاقيا) لم يصر الغرب على إعادة العملية السياسية
في العراق الى نقطة البداية وتصويرها وكأنها تدور في فلك
مغلق.
اخرها محاولة عزل واقصاء بعض القوى السياسية الفاعلة في المشهد
العراقي، وسبقها محاولة تشويه قوة الحشد الشعبي، وقبلها تدمير واقصاء
القوى الاساسية التي تسنمت إدارة رئاسة الوزراء طبقا للاستلحاق
الانتخابي وتمثل ذلك باستبعاد المالكي، وقبلها ادخل داعش للعراق
وقبلها ادخال القاعدة.
غريب ان تتبع القوى الغربية منهجا مبتذلا في العراق مع انه جزء من
معالجة الغرب للمشهد الدولي، والان تدفع القوى الغربية بالأمم المتحدة
لتكون المدخل البديل لتدمير وتشويه معالم حركة الحياة في بلدنا، تثبت
ذلك ارهاصات منطق بلاسخارت في تعاطيها مع الشأن العراقي الذي له ذاكرة
سوداء مع الأمم المتحدة.
لا تحتمل تلك القوى الغربية ان يعيش العراقيون بأمن وامان وينتقل
العراقيون الى مرحلة البناء لذلك فان (استراتيجية القلق السياسي) هي
المتصدرة الان وهي ثمرة لعمل غربي ليس لفرض منهج او سياسة او مواقف
على العراق حكومة وبنية سياسية بل لإبقاء الحال على ما هو عليه وتمنع
مغادرة القطار العراقي محطته الأولى، بل وتمنع النزول من هذا القطار
الموصد الأبواب أيضا.
عمل الغرب على تحييد القوى الاجتماعية والمؤسسات الاجتماعية، فقام
بتفكيك جماهير التنظيمات السياسية، ودعم ما يسمى (المستقلين)، وهيأ
الفرصة لتشويه البنية والعمود الفقري للديموقراطية وهو التنظيم
الحزبي، وصعد الخطاب المعادي للتجربة السياسية عموما، بل وتطاول
الخطاب لتدمير المرجعيات الدينية، والاجتماعية، ورؤساء العشائر،
والمكونات الثقافية كالفن والادب والفكر والفلسفة.
وبالتالي وجد القادة أنفسهم متعرين امام عالم مسطح وتصحر في البيئة
وجفاف في الموارد والمصادر كان اخرها عملية رفع سع الدولار وخفض
العملة العراقية لتوسيع دائرة الفقر والقهر الاجتماعي والضغط النفسي
وتنمية روح الانقضاض على التجربة العراقية.
ومرت الخديعة الى مجلس النواب وتم تمرير قانون الدوائر المتعددة وأصبح
الشارع يشرع القوانين ويرفعونها من خلال وسائل الاعلام فتجد لها
مشرعون يتبنوها تحت طائلة الخوف من الجماهير التي أصبح لها لسان من
بغداد الى واشنطن، ومؤسسات ترعاها من سفارة اميركا في الخضراء الى
مجلس الامن الدولي والأمم المتحدة، فضلا عن معاقل القوى التقليدية في
العراق التي ادارت ظهر المجن للعملية السياسية وصارت تنشر الكفر بها
وبالياتها التي جاءت بها الى سدة الحكم.
يجب ان يظل العراق يقف على قدم واحدة، تحييد المكونات الجوهرية في
المجتمع عن ان تأخذ دورها في الإدارة العامة لمفردات الحياة اليومية،
وتجريد العراق من حقه في التفاعل مع حركة التاريخ، فالاقتصاد احادي
الاتجاه ونهايته في البنوك الامريكية، والسياسة وحيدة الاتجاه فمن لا
يشتغل بالسياسة لن يجد الى الحياة طريقا، وكذلك الثقافة أحادية
الاتجاه تقودها وسائل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي المرافق
لها واصلها في وادي السيليكون، وكذلك عالم الاجتماع احادي الاتجاه،
يعتاش على النسق السياسي، كل تلك المتغيرات وان استطاعت ان تعمق حالة
الضرورة القصوى كمبدأ في العمل السياسي الا ان السياسات العامة لن
تفقد الامل في فك العزلة التي يريد الغرب فرضها على التجربة العراقية
ومن طبيعة القوانين الاجتماعية نفهم ان استراتيجية القلق لابد لها من
الاضطراب يوما وتسليم زمام الامور بيد المبادرات الإقليمية والداخلية
التي تبدل مهج العمل من منهج الازمة الى منهج السياق العام وإزالة
التوتر وإعادة بناء النسق السياسي وهذا قانون يؤمن به الغرب اكثر منا
وهو نهاية لابد منها.
وقد تكون الانتخابات الحالية ستكون الحلقة الاولى في سلسلة انهاء حالة
القلق السياسي المفروض على التجربة العراقية